عادة ما يكون هناك نوعين من الشهوات منها الحسنة والتى قال عنها مرة السيد المسيح "شهوة أشتهيت ان آكل الفصح معكم" وهناك أمثلة عديدة من هذه الشهوات المقدسة والتى تنمى حياة الانسان فى علاقته بالله وغالباً ما تنتج هذه الشهوات من قداسة الانسان وحياته مع الله وتهدف الى مجد الله ,
أما على النقيض الآخر فهناك شهوات رديئة أو شريرة لا تقدس ولا تمجد الله بل تكون سلاح بيد أبليس يشغلها كيفما شاء لابعاد الانسان عن الله وحرمانه من الخلاص الأبدى لذلك يحذر الكتاب المقدس دائما كل شخص يريد ان يعيش حياة القداسة ان يهرب من الشهوات الشريرة.
والهروب من الأهواء والشهوات يكون فورياً وجاداً، والمطلوب هو قطع العلاقة نهائياً معها أما مسايرتها إلى حد ما، أو الابتعاد عنها بخطوات بطيئة ، لا يدل أبداً على الرغبة فى النمو مع المسيح وترك الماضى الذى يربطنا بالخطية والعالم، بل على العكس هو دليل على الميوعة الروحية (عدم إتخاذ موقف حاسم مع الخطية) والتعلق غير المعلن بالشهوة، مما يجعل المؤمن الحديث عرضة دائماً للضعف الروحى بل والسقوط قديماً أخذت امرأة لوط فى الهرب من أسرتها من سدوم وعمورة إطاعة لأمر الله، ولكنها التفت إلى الوراء لتعلق قلبها بهاتين المدينتين وتحسَرها على مفارقة ما بهما من ملذات، فأصابها ما أصابها من بلاء (تك 19: 26)، وصارت عبرة للذين لا يطيعون الله إلى النهاية ولذلك يحذرنا الرب بالقول: "اذكروا امرأة لوط"(لو17: 32) فإذا كان
الأمر كذلك، يجب أن يكون موقفنا من الأهواء والشهوات لا الرخاوة بل الصلابة والصرامة وأن يكون شعارنا "ليس احد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله"(لو9: 62) ولا نقصد بالهروب من الشهوات مجرد الانصراف من مكان، لأنه لا فائدة من ذلك إذا كان القلب والكيان كله متعلقاً بالخطية، بل المقصود هو تحويل إتجاه القلب بعيداً عنها، وطبعاً سيكون نتيجة ذلك هو البعد عن أماكن الخطية والشهوة، فإذا كان القلب طاهراً، وتصادف أن وقعت العين على ما يثير الأهواء، فإن ذلك لا يبعث فيك أفكارا نجسة لانه كما يكون القلب، هكذا تكون العين "سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً فإن كان النور الذى فيك يكون ظلاماً فالظلام كم يكون"(مت6: 22 – 23) فلنهرب إذن بكل سرعة ليس من المنظر المثير فقط، بل ومن الفكر المثير أيضاً لأن الفكر يولد التصور والتصور عندما يستبد بالمرء فيقوده إلى الفعل (أى السقوط فى الخطية)، "فخميرة صغيرة تخمر العين كله"(1كو5: 6)
فضلا عن ذلك فأن تأثير الأهواء والشهوات لا يزول بانتهاء الفعل الخاص بها بل يبقى فى النفس طويلاً، ويدفعها إلى عمل الخطيئة من وقت لآخر، لذلك يقول الكتاب المقدس "أهرب لحياتك"، حتى يصبح الهروب من الخطية عادة من العادات المتأصلة فينا، متخذين درساً من الابرة المغناطيسية التى إذا انحرفت مرة عن اتجاهها الأصلى لسبب ما، سعت بطبيعتها للعودة إلى هذا الإتجاه على الفور وإذا انحرفنا عن الرب من تأثير ضعفنا وسقطنا فى الخطية، لا يتركنا - له المجد- وشأننا، لأنه يعرف ضعفنا الطبيعى حق المعرفة، ومن ثم يعطف علينا كل العطف ويردنا بكل سرعة اليه، طالما كانت لنا الرغبة الصادقة فى مواصلة السير معه وقد اختبر داود النبى هذه المعاملة الكريمة فقال عن الله: "يرد نفسى، يهدينى إلى سبل البر من أجل اسمه"(مز23: 3) فهو لا يعسر عليه أمر (إر 32: 27)، وغير المستطاع لدى الناس مستطاع لديه(مر1: 27) من ثم يقدر أن ينقذنا من التجربة, وكل ما علينا أن نفعله فى وقت التجربة هو أن نثبت انظارنا فى الرب واثقين كل
الثقة فيه فيحفظنا من الذلل ومن السقوط فى الخطية لأن من نظروا إليه استناروا ووجوههم لم تخجلفليرسخ فى اعماقنا أن الرب لا يتركنا فى وقت التجربة بل بالعكس يتطلع إلينا فى وقتها ويطلب منا أن نتضرع إليه ونتمسك به ونثق فيه لأنه قال "ادعنى فى وقت الضيق انقذك فتمجدنى"(مز 50: 11)
صديقى: أخيراً نقول أن فرصة التجارب، هى الفرصة التى يمكن أن تظهر فيها مقدار طاعتنا لله ورغبتنا فى حياة القداسة معه، حتى إذا تزكينا نكون أكثر أهلية لخدمته فهذه الفرصة هى إذن فرصة ذهبية أمام كل مؤمن حقيقى، يجب أن يستغلها بكل وسيلة من الوسائل للنصرة على الخطيئة، فيضيف بذلك إلى قدرته قدرة وإلى مقامه لدى الله مقاماً، كما يجنى من ورائها اختبارات روحية ثمينة منقول